جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
51796 مشاهدة print word pdf
line-top
15- إثبات صفتي المكر والكيد

[وقوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد: 13]. وقوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54]. وقوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 50]. وقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15، 16].


الشرح
* قوله: (وقوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) :
هذه الآيات فيها بيان شيء من أفعال الله تعالى، وهي المكر والكيد، يوقعها الله بمن يستحقها من خلقه من الكافرين والظالمين والمجرمين.
* قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ أي: شديد العقوبة لمن طغى وتمادى في غيه وكفره، فالجزاء من جنس العمل.
والمكر هو بمعنى الاحتيال أيضا إلا أنه أخص منه؛ لأن المكر هو حيلة خفية يتوصل بها إلى أمر لا يرضي الممكور به.
* قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54]. الذين مكروا هنا هم اليهود، لما مكروا ليقتلوا عيسى فحاولوا بكل جهدهم على المكر به وقتله، فاجتمعوا وتشاوروا، ثم دخلوا عليه بغتة هو ومن معه، فعند ذلك مكر الله بهم، فألقى شبهه على واحد من الحواريين الذين معه فقبضوا عليه ظنا منهم أنهم قبضوا على عيسى فقتلوه وصلبوه، واعتقدوا أنهم قتلوا عيسى -عليه السلام- قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157]. ألقى شبهه على غيره.
* قوله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 50]. يخبر الله تعالى فيها عن الذين مكروا بصالح -عليه السلام- لما حاولوا أن يقتلوه هو ومن معه، وقال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 48- 50]. مكروا فجاءوا بالحيل، وحاولوا التسور، وحاولوا التبيت، ولكنهم ما نجحوا في مكرهم، بل عاقبهم الله وأهلكهم مع من أهلك، فهذا عاقبة مكرهم، وكذلك قد ذكر الله مكر الأمم السابقة، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46]. دل على أنهم قد احتالوا ومكروا، والمكر من أعمال الحيل، ومكر الله تعالى بهم: هو خداعهم وإظهار الشيء كأنه نعمة وهو في الحقيقة نقمة؛ لأن إنعام الله تعالى قد يكون مكرا، كما في قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44]. فهذا قد يكون من باب المكر، وقد يسمى أيضا استدراجا، كما في قوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على المعاصي، فاعلم أنه استدراج وقد يسمى أيضا إمهالا، يعني: تأخيرا، كما في الحديث: إن الله ليملي للظالم- يعني: يؤخره- حتى إذا أخذه لم يفلته .
* وقوله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا والكيد في الإنسان معروف وهو إعمال الحيل للتوصل إلى شيء خفي، ولكن كيد الله صفة تليق به، ليست مثل الصفة الخاصة بالآدمي -يعني: الاحتيال- بل هي كما يليق بالله تعالى: وَأَكِيدُ كَيْدًا معلوم أن الله تعالى ليس بحاجة إلى مداراة أو مجاراة أو نحو ذلك، ولكن قد يكون رزقه وإنعامه وجوده ومعافاته فيها استدراج وإمهال، وقد يسمى ذلك ظاهرا بالكيد أو المكر.
فهذا ونحوه مما يثبت صفة المكر والكيد والمخادعة ونحو ذلك من الصفات الفعلية التي يفعلها الله، ولكنها ليست مذمومة بالنسبة إلى الله تعالى لوقوعها موقعها، وليست كصفة المخلوق، بل هي كما يشاء الله، ومن الناس من أنكرها وقال: إن المراد بالمكر والخداع والكيد ونحوها المقابلة والمجازاة، فنقول: بل الله وصف نفسه بذلك، وأثبتها لنفسه، فلا يجوز تأويلها كما يقول هؤلاء، بل نقول إنها كما يشاء الله.
وهذه الصفات لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله تعالى؛ لأن الأسماء لا تشتق إلا من الصفات التي يمدح بها مطلقا، أما هذه فإنه قد يمدح فاعلها، وقد يذم، وكذلك فإنها وردت بصيغة الفعل، فيجوز أن يقال: الله يمكر بالظالمين، الله يكيد بالكافرين، الله يخادع المنافقين، أو الله يستهزئ بالكافرين، ولكن لا يصح أن يجعل منها أسماء لله -عز وجل- فلا يجوز تسميته بالمستهزئ، ولا المخادع، ولا الماكر، ولا الكائد، ولا المحتال، ونحو ذلك؛ لأنها لا يمدح بها على الإطلاق.

line-bottom